حول العالم
أقلام كشف الكذب
فهد عامر الأحمدي
قبل فترة طويلة أخبرتني "أم العيال" عن قريب لها ظُلم في المحكمة لأن غريمه قدم عقدا مزورا (ادعى انه كتب قبل خمس سنوات). وحين سمعتُ القصة لم أتفاعل معها عاطفيا (كما هو مفترض) بل بدأت بشرح فكرة مدهشة التمعت في رأسي فجأة .. أخبرتها عن ضرورة اختراع حبر يفضح بنفسه تاريخ كتابته .. فرغم اعترافي بمستوى التقدم الإلكتروني في المحاكم وكتابة العدل، إلا أننا نحتاج الى حبر (خاص بكتابة العقود) يمكن بتحليله معرفة وقت كتابته ومتى امتصه الورق .. حبر يتسق مع قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل...) الى آخر الآية... !
- وياليتني توقفت عند هذا الحد بل توسعت في الشرح وقلت:
.. وتصوري لو أن كل شيخ في المحكمة يملك على طاولته جهازا (مثل جهاز الليزر في السوبر ماركت) حين يضع تحته العقد يظهر تاريخ كتابته بأحرف مضيئة مثل (13 محرم 1399هجرية) أو على الأقل بطريقة تقريبية تتناسب مع حالة الصك المتهالكة مثل (بين عامي 1377 و 1400 هجرية)…
وبالطبع لم يكن المقام مناسباً لحديث كهذا ؛ غير ان ما يجعلني واثقا من سلامة " الجمجمة " أنني أفاجأ دائما بأفكاري وقد تم تطبيقها في "بلاد برة" .. فاليوم بالذات اتضح لي أن فكرتي القديمة بهذا الخصوص لم تكن سيئة على الإطلاق . ففي معهد فلورنس النووي حاول العلماء تحديد عمر الوثائق القديمة بتحليل مكونات الحبر الذي كتبت به . وقد بدءوا بتحليل وثائق كتبها العالم الايطالي الشهير "جاليليو جالي" منذ أربعمائة عام تقريبا . واختاروا منها على وجه التحديد قانون السقوط الحر (الذي يفيد بأن جميع الأجسام تسقط الى الأرض بنفس السرعة بصرف النظر عن وزنها) ..
فهذا القانون المهم لم يظهر في أول كتاب ألفه جاليليو عن الحركة عام 1590 ، ولكنه ظهر في كتاب آخر نشره عام 1632 . وهذا يعني انه اكتشف وكتب (بين هذين التاريخين) ما يجعله مثاليا لإجراء التجربة والكشف عن تاريخ كتابته بالتحديد !!
وبالفعل نجح العلماء في معرفة ذلك بتحليل عناصر الحديد والنحاس والزنك الموجودة في الحبر القديم . فبمقارنة معدلاتها المتبقية ونسبة تفاعلها مع بعضها حدّدوا وقت كتابة القانون (في مايو 1627) !!
ومن شأن هذه التقنية تقديم خدمة عظيمة للمؤرخين وعلماء الآثار - بل وحتى القضاة في المحاكم. فكشف التزوير والتزييف مايزال في معظمه يعتمد على عامل الخبرة والترجيح . أما بوجود تقنية سريعة وصارمة كهذه فيمكن الجزم بتاريخ الوثائق المهمة والفصل في المنازعات التجارية العويصة - خصوصا تلك التي سبقت تقنيات الحفظ الإلكترونية الحديثة..
وقد تتطور الحال في المستقبل فنشتري من المكتبات حبراً خاصاً لكتابة العقود والوثائق يصبح ملزماً في توثيق العقود.. حبراً له تركيبة كيميائية فريدة تنبئ (من خلال تفاعلها البطيء) عن تاريخ تسطيره واحتكاكه بالهواء لأول مرة .. وحبر بهذه الميزة سيكون بالتأكيد أكثر مصداقية من أي "توقيع" او "تاريخ" يمكن تزويره أو حشره حشراً في نهاية العقد !!
أقلام كشف الكذب
فهد عامر الأحمدي
قبل فترة طويلة أخبرتني "أم العيال" عن قريب لها ظُلم في المحكمة لأن غريمه قدم عقدا مزورا (ادعى انه كتب قبل خمس سنوات). وحين سمعتُ القصة لم أتفاعل معها عاطفيا (كما هو مفترض) بل بدأت بشرح فكرة مدهشة التمعت في رأسي فجأة .. أخبرتها عن ضرورة اختراع حبر يفضح بنفسه تاريخ كتابته .. فرغم اعترافي بمستوى التقدم الإلكتروني في المحاكم وكتابة العدل، إلا أننا نحتاج الى حبر (خاص بكتابة العقود) يمكن بتحليله معرفة وقت كتابته ومتى امتصه الورق .. حبر يتسق مع قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل...) الى آخر الآية... !
- وياليتني توقفت عند هذا الحد بل توسعت في الشرح وقلت:
.. وتصوري لو أن كل شيخ في المحكمة يملك على طاولته جهازا (مثل جهاز الليزر في السوبر ماركت) حين يضع تحته العقد يظهر تاريخ كتابته بأحرف مضيئة مثل (13 محرم 1399هجرية) أو على الأقل بطريقة تقريبية تتناسب مع حالة الصك المتهالكة مثل (بين عامي 1377 و 1400 هجرية)…
وبالطبع لم يكن المقام مناسباً لحديث كهذا ؛ غير ان ما يجعلني واثقا من سلامة " الجمجمة " أنني أفاجأ دائما بأفكاري وقد تم تطبيقها في "بلاد برة" .. فاليوم بالذات اتضح لي أن فكرتي القديمة بهذا الخصوص لم تكن سيئة على الإطلاق . ففي معهد فلورنس النووي حاول العلماء تحديد عمر الوثائق القديمة بتحليل مكونات الحبر الذي كتبت به . وقد بدءوا بتحليل وثائق كتبها العالم الايطالي الشهير "جاليليو جالي" منذ أربعمائة عام تقريبا . واختاروا منها على وجه التحديد قانون السقوط الحر (الذي يفيد بأن جميع الأجسام تسقط الى الأرض بنفس السرعة بصرف النظر عن وزنها) ..
فهذا القانون المهم لم يظهر في أول كتاب ألفه جاليليو عن الحركة عام 1590 ، ولكنه ظهر في كتاب آخر نشره عام 1632 . وهذا يعني انه اكتشف وكتب (بين هذين التاريخين) ما يجعله مثاليا لإجراء التجربة والكشف عن تاريخ كتابته بالتحديد !!
وبالفعل نجح العلماء في معرفة ذلك بتحليل عناصر الحديد والنحاس والزنك الموجودة في الحبر القديم . فبمقارنة معدلاتها المتبقية ونسبة تفاعلها مع بعضها حدّدوا وقت كتابة القانون (في مايو 1627) !!
ومن شأن هذه التقنية تقديم خدمة عظيمة للمؤرخين وعلماء الآثار - بل وحتى القضاة في المحاكم. فكشف التزوير والتزييف مايزال في معظمه يعتمد على عامل الخبرة والترجيح . أما بوجود تقنية سريعة وصارمة كهذه فيمكن الجزم بتاريخ الوثائق المهمة والفصل في المنازعات التجارية العويصة - خصوصا تلك التي سبقت تقنيات الحفظ الإلكترونية الحديثة..
وقد تتطور الحال في المستقبل فنشتري من المكتبات حبراً خاصاً لكتابة العقود والوثائق يصبح ملزماً في توثيق العقود.. حبراً له تركيبة كيميائية فريدة تنبئ (من خلال تفاعلها البطيء) عن تاريخ تسطيره واحتكاكه بالهواء لأول مرة .. وحبر بهذه الميزة سيكون بالتأكيد أكثر مصداقية من أي "توقيع" او "تاريخ" يمكن تزويره أو حشره حشراً في نهاية العقد !!