حول العالم
البنوك الخيرية .. أجر ينتظر الحصاد
فهد عامر الأحمدي
لو كان لديك 20 مليون ريال في أحد البنوك ، فماذا يعني لك ربح 20 مليوناً إضافية!؟...ماذا يعني لك المزيد من المال حين يفيض فعلا عن حاجتك الفعلية!!
.. الجواب : مجرد أوراق بنكية تتضمن أرقاماً افتراضية وخانات عددية أكبر...
فما تملكه في أي بنك يصبح فعليا ملكاً للبنك يستفيد منه ويستثمر من خلاله - ويعطيك مقابله تعهدا يضمن وجوده وإمكانية سحبه في أي وقت.. والخدعة هنا أنك ستسعد بالأرقام الجديدة ولكنك في الحقيقة (مثل كل الناس) لن تسحب كامل الرصيد وبالتالي "البنك" وحده من يستفيد فعليا من رصيدك الفائض!
سؤالي الثاني هو : لماذا نعمل ونتعب ونشقى ثم نرضى ب(ورقة) ومجموعة أرقام!؟
.. أليس صحيحا أننا نكدس الأموال لمجرد الشعور بالاطمئنان وتأمين مستقبل العيال (وكأن الله سيقطع الأرزاق بعد وفاتنا).. أليس صحيحاً اننا نعيش حياتنا خائفين من الحاجة واحتمال الفقر وبالتالي ينطبق علينا قول الشاعر:
يامن تجمع المال خشية الفقر
ما أفنيت فيه عمرك هو الفقر
ماذا لو اكتشفنا طريقة أفضل تخرجنا من هذه الدائرة المغلقة!؟..
طريقة تتيح لنا التمتع بأموالنا (وفي نفس الوقت) مساعدة غيرنا وكسب الأجر والثواب (دون أن نخسر قرشا واحدا)!
.. الفكرة التي أقترحها اليوم هي عدم تجميد أموالنا الفائضة في البنوك التقليدية وتحويلها الى بنوك خيرية تساعد المحتاجين من خلال قروض مضمونة السداد..
وهذه البنوك مثل أي بنوك تقليدية تسعى لاستقطاب الأموال الفائضة (مع ضمان سحبها في أي وقت يشاء صاحبها) ثم تقرضها للمعسرين أو المستثمرين الشباب على دفعات صغيرة!
فالواقع يثبت أن المودعين لا يسحبون كامل أرصدتهم طالما اطمأنوا وضمنوا سحبها في أي وقت يريدون.. وفي المقابل أثبتت بنوك الفقراء (التي ظهرت أولا في بنجلاديش) أن الفقراء أكثر التزاما بالتسديد من رجال الأعمال وحيتان الأسواق (بل تشير تقارير وزارة المالية السعودية إلى أن 95٪ من المقترضين من بنك التسليف التزموا بالسداد بنسبة تفوق ما يحصل مع البنوك التجارية)!!
ولكن ؛ رغم هذه النسب العالية مازالت بنوكنا المحلية تطارد الأغنياء وتتجاهل قدرة الفقراء والشباب على تسديد أقساطهم (الصغيرة أصلا).. أما في بنجلاديش وكينيا وأندونيسيا والهند فظهرت بنوك خاصة بإقراض الفقراء والمحتاجين (ابتكرها استاذ الاقتصاد البنجالي محمد يونس وتبنتها منظمة أجفند في العالم العربي).. فقد يكون المقترض أبا يحتاج لتاكسي أو أرملة تحتاج لماكينة خياطة أو صيادا يحتاج لقارب صغير أو شابا يرغب بفتح كشك اتصالات.. والعجيب ان هذه البنوك حققت خلال سنوات قليلة نجاحا مدهشا وأرباحا غير متوقعة بفضل الإقبال عليها وتعاملها مع أعرض شريحة في المجتمع بل واتضح أنها الأبعد عن الانهيار والافلاس كون قروضها صغيرة أصلا وتتوزع على شريحة عريضة وأكبر بكثير من أي بنك تقليدي!!
... ومع هذا كله ؛ لن أكون مثاليا ولا أعتقد أنه من حقي أو حق أحد مطالبة الأثرياء بالتبرع قسرا أو حتى إخراج قرش واحد من أموالهم.. كل ما أقترحه هو أن يحتفظوا بالفائض منها في بنك خيري يساعد الشباب والمعسرين مع ضمان سحبها في أي وقت يشاءون (فبهذه الطريقة أيضا ، لن يخسروا قرشا واحدا)..
... وقد يكون من الأسهل والأسرع ان تعمل مؤسسة النقد على الدمج بين مبادرة الأثرياء وخبرة بنك التسليف الحكومي لتحقيق هذا الحلم؛ فتحويل هذا الأخير إلى بنك تجاري خيري (يخضع لمراقبة المؤسسة) يعني التوفيق بين ضمان أموال الأغنياء ومساعدة الفقراء و المحتاجين .. ليس هذا فحسب بل ان دخول البنك كمستثمر في المشاريع البسيطة يتيح له توسعة خدماته وتموين نفسه ذاتيا ويريح الدولة من المبالغ التي تضخ فيه كل عام !!
... من يتأمل الاقتراح جيدا يكتشف أنه لا عائق فعليا يحول دون تنفيذه ، وأن كل مانحتاجه هو مبادرات شجاعة وضمانات حكومية لرأس المال.. فرأس المال ليس جبانا كما نعتقد بل ذكي جدا ولا يمانع في عمل الخير ... طالما ضمن عدم خسارته بنسبة 100%
البنوك الخيرية .. أجر ينتظر الحصاد
فهد عامر الأحمدي
لو كان لديك 20 مليون ريال في أحد البنوك ، فماذا يعني لك ربح 20 مليوناً إضافية!؟...ماذا يعني لك المزيد من المال حين يفيض فعلا عن حاجتك الفعلية!!
.. الجواب : مجرد أوراق بنكية تتضمن أرقاماً افتراضية وخانات عددية أكبر...
فما تملكه في أي بنك يصبح فعليا ملكاً للبنك يستفيد منه ويستثمر من خلاله - ويعطيك مقابله تعهدا يضمن وجوده وإمكانية سحبه في أي وقت.. والخدعة هنا أنك ستسعد بالأرقام الجديدة ولكنك في الحقيقة (مثل كل الناس) لن تسحب كامل الرصيد وبالتالي "البنك" وحده من يستفيد فعليا من رصيدك الفائض!
سؤالي الثاني هو : لماذا نعمل ونتعب ونشقى ثم نرضى ب(ورقة) ومجموعة أرقام!؟
.. أليس صحيحا أننا نكدس الأموال لمجرد الشعور بالاطمئنان وتأمين مستقبل العيال (وكأن الله سيقطع الأرزاق بعد وفاتنا).. أليس صحيحاً اننا نعيش حياتنا خائفين من الحاجة واحتمال الفقر وبالتالي ينطبق علينا قول الشاعر:
يامن تجمع المال خشية الفقر
ما أفنيت فيه عمرك هو الفقر
ماذا لو اكتشفنا طريقة أفضل تخرجنا من هذه الدائرة المغلقة!؟..
طريقة تتيح لنا التمتع بأموالنا (وفي نفس الوقت) مساعدة غيرنا وكسب الأجر والثواب (دون أن نخسر قرشا واحدا)!
.. الفكرة التي أقترحها اليوم هي عدم تجميد أموالنا الفائضة في البنوك التقليدية وتحويلها الى بنوك خيرية تساعد المحتاجين من خلال قروض مضمونة السداد..
وهذه البنوك مثل أي بنوك تقليدية تسعى لاستقطاب الأموال الفائضة (مع ضمان سحبها في أي وقت يشاء صاحبها) ثم تقرضها للمعسرين أو المستثمرين الشباب على دفعات صغيرة!
فالواقع يثبت أن المودعين لا يسحبون كامل أرصدتهم طالما اطمأنوا وضمنوا سحبها في أي وقت يريدون.. وفي المقابل أثبتت بنوك الفقراء (التي ظهرت أولا في بنجلاديش) أن الفقراء أكثر التزاما بالتسديد من رجال الأعمال وحيتان الأسواق (بل تشير تقارير وزارة المالية السعودية إلى أن 95٪ من المقترضين من بنك التسليف التزموا بالسداد بنسبة تفوق ما يحصل مع البنوك التجارية)!!
ولكن ؛ رغم هذه النسب العالية مازالت بنوكنا المحلية تطارد الأغنياء وتتجاهل قدرة الفقراء والشباب على تسديد أقساطهم (الصغيرة أصلا).. أما في بنجلاديش وكينيا وأندونيسيا والهند فظهرت بنوك خاصة بإقراض الفقراء والمحتاجين (ابتكرها استاذ الاقتصاد البنجالي محمد يونس وتبنتها منظمة أجفند في العالم العربي).. فقد يكون المقترض أبا يحتاج لتاكسي أو أرملة تحتاج لماكينة خياطة أو صيادا يحتاج لقارب صغير أو شابا يرغب بفتح كشك اتصالات.. والعجيب ان هذه البنوك حققت خلال سنوات قليلة نجاحا مدهشا وأرباحا غير متوقعة بفضل الإقبال عليها وتعاملها مع أعرض شريحة في المجتمع بل واتضح أنها الأبعد عن الانهيار والافلاس كون قروضها صغيرة أصلا وتتوزع على شريحة عريضة وأكبر بكثير من أي بنك تقليدي!!
... ومع هذا كله ؛ لن أكون مثاليا ولا أعتقد أنه من حقي أو حق أحد مطالبة الأثرياء بالتبرع قسرا أو حتى إخراج قرش واحد من أموالهم.. كل ما أقترحه هو أن يحتفظوا بالفائض منها في بنك خيري يساعد الشباب والمعسرين مع ضمان سحبها في أي وقت يشاءون (فبهذه الطريقة أيضا ، لن يخسروا قرشا واحدا)..
... وقد يكون من الأسهل والأسرع ان تعمل مؤسسة النقد على الدمج بين مبادرة الأثرياء وخبرة بنك التسليف الحكومي لتحقيق هذا الحلم؛ فتحويل هذا الأخير إلى بنك تجاري خيري (يخضع لمراقبة المؤسسة) يعني التوفيق بين ضمان أموال الأغنياء ومساعدة الفقراء و المحتاجين .. ليس هذا فحسب بل ان دخول البنك كمستثمر في المشاريع البسيطة يتيح له توسعة خدماته وتموين نفسه ذاتيا ويريح الدولة من المبالغ التي تضخ فيه كل عام !!
... من يتأمل الاقتراح جيدا يكتشف أنه لا عائق فعليا يحول دون تنفيذه ، وأن كل مانحتاجه هو مبادرات شجاعة وضمانات حكومية لرأس المال.. فرأس المال ليس جبانا كما نعتقد بل ذكي جدا ولا يمانع في عمل الخير ... طالما ضمن عدم خسارته بنسبة 100%